التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البكر ما عوير .. إنما محقون بالتجارب الفاشلة


مع كل عام يمضي فيه عيد مولدي وآخر يأتي بعمر جديد احاول ان انظر لكل هذه السنوات بشى من التفحص لكي لا تغيب عن الذاكرة دونما دراسة كامله للوجه المشرق والسلبي للإبن البكر . فحينما يسألني احدهم عن ترتيبي فى أسرتي أجيب ( البكر) وأًعقب ( لكن ما عويره ) .. الابن الاكبر او البنت الكبرى وتجارب الفشل من الوالدين.
كثير من التجارب تفشل نسبةً للدلال الزائد فهو مؤشر خطر لمراحل متأخرة للجنسين ،أيضاً الصرامة والغلظة تؤدي الى تأثيرات نفسية للطفل تجاه والديه ، لكن الفشل الذي اعنيه ليس فى سلوكيات الابن أوالابنه انما فى تأثيرات التربية على المدى البعيد في تفاصيل يمارسها الأباء ولا يدركون عواقبها.

فالبنت الكبرى مثلا هي ضحية لفشل الام السودانية فى تحديد سلوكياتها تجاه ابنتها فدائما تريدها متميزة ، ست بيت ممتازة ، شاطرة وفى ذات الوقت مطيعه جدا على حساب كل الذى سبق .. أما الابن الاكبر هو سند ابيه ودائما يحاول ان يغرس فيه ويطبق معه خشونة التجارب وتعليمه الصرامة فى التفكير لكي لا تنكسر شوكته فى المجتمع ، لكن يبدو ان ابائنا كما قال احد الدعاة يحاولون تربيتنا لننفعهم هم وليس لتنضج انفسنا .. فتربية الفتى اوالفتاة في البيئة السودانية تكون بانحيازية شديدة دون حيادية فى غرس الافكار . لا سيما أن الطفل ينشأ بمفهوم منغلق وبشكل واحد ولون واحد من التجارب .. من ناحية اخرى إن طاعة الوالدين التي منحها الله تعالى كرخصة تصبح فى نهاية الامر مجرد طوق يتم خنق حرية الابن والابنة به .. او لوي ذراع لبسط سيطرة التقاليد والفهم الخاطيء حول الدين، فكلما وجد نقاش بين أب وإبنه لتقارب وجهات النظر وينقلب سحر الإبن على أبيه يتعمد الأخير إستخدام عبارات مثل " إتأدب يا ولد أنا ابوك أو انت عاق لازم تسمع كلامي " ، مما يلاحظ فى مجتمعنا ان نسبة عاليه جدا من مشاكل الابناء النفسية والاخلاقية تنتج عن البيت وتحديدا الاب والام .. فالدالة الارهابية بالدين هذه جعلت الابناء ذوي افاق ضيقة حول فهم الصحيح والخطأ والحرمة والحلال . مما يجعل الفتاة تقول امي .. ولكن!!!
هذا القول اذا تم مناقشته على نطاق الاسرة لا الاب يحترمه ولا الام تتقبل النقاش فيه بحكم القانون والشرعيه .. وينعكس هذا السلوك فى ارتباط البنت باهل بيتها حتى بعد استقلاليتها فى عش زوجية جديد فهي تكبر تحت ضغط ما يُلقن من والدتها وليس ما يمليه عليها قلبها لبناء حياة انسانية رشيدة..
لا اريد ان يكون المعنى صارخ او جارح انما كثير من الاباء يستبدون فى تربية ابناءهم من حيث الخضوع القسري ومن حيث السيطرة الغير مبررة .. فنجد اغلبية الامهات والاباء متعلمون كانوا أولا يمارسون حالة استبداد فكري وروحاني على ابناءهم من ناحية تحمل المسؤولية فالام تترك كم هائل من مسؤوليتها الاصل للبنت الكبرى وهذا مشاهد فى كثير من طبقات المجتمع وخاصة المتوسطه .. فنجدها في مرحلة ما تدرُس وتدرس اخوانها ثم تطبخ والام تكتفي بقول ( خليها تتعلم بكرة بتبقى ست بيت ) ؛ لكن يا سيدتي هذه الفتاة ستخرج للمجتمع ليس للزواج فقط انما لافاق أخرى كالولوج فى مشاكل وطنية ، علمية ونفسية لتساعدها على خوض نضالات اكبر من الاربعة حيطان التي ستسكنها .. أما الابن من سن مبكر يحمل هموم اخوته واسرته دون ان يلتفت لذاته وليطور فى دنياه فتكون كل الظروف والمستقبل خاضع لارادة الاسرة الصغيرة ..


انا هنا لا اريد ان احرض او افشي سياسة الانانية وعدم ادراج الادمية فى الابناء ، لكن يجب ان يدرك الاباء ان اجيال المستقبل يعايشون ويعيشون مراحل مختلفة من الضغط النفسي لحالة الطاعة التي تفرض فرض عليهم
فالطاعة تأتي بسماحة النفس وليس الارهاب .. الطاعة هي حالة ايمان مطلق بالحب .. الطاعة تأتي بمعرفة اهمية من نطيعهم .. فكأنما الاباء يستخدمون هذه الطاعة كالمن على الابناء بأنهم كانوا السبب فى الحياة ولكن هما فى الاصل اخوان فى الله لهذا الإبن .. إذن من الطبيعي ممارسة هذه العلاقة بشى من الرحمة وليس التحكم .
كما أن ممارسة الانانية من الاباء فى اختيار مستقبل الابن والابنه وفرض معايير التصرف فى الحياة لا يجوز الا اذا كانت خارجه عن ارادة الله تعالى .. نجد امثلة لا حصر لها فى فرض إختيار شريك الحياة ، الدراسة ، الأصدقاء حتى الإختيارات الفكرية ولا يدركون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينشر سياسة الحرية فى كل ركن من اركان الحياة حتى حينما دخل مكة منتصرا قال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء) طالما انه ( قد تبين الرشد من الغي) هنالك فرق كبير جدا بين التربية وتحديد السلوك ، دائما يخاف الوالدين تمرد هذا الابن فى ذات ليلة لذلك لا يعرفون ما هي المنهجية التي يجب اتباعها لكسب أبنائهم اطول فترة ممكنة للمساعدة فى البيت وفى سواد المستقبل .. فى حين ان الاب "لم يقدم السبت عشان يلاقى الاحد" فى تزويد هذا الصغير كثير من العطف والرحمة مع قيم اساسية كانت يمكن ان تغنيينا كثير من الحالات النفسية المتأزمة فى سلوك المجتمع ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوم في مصحة عقلية

من يعش بين المجانين يصعب عليه العيش وسط العقلاء  في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا  اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.  تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل... اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد. لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتم

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه