التخطي إلى المحتوى الرئيسي

على من تراهن سيدي ؟

كنت فى قاعة المحاضرات " جامعة الخرطوم 2004" انتظر استاذي من اجل تكرار تفاصيل مادة بالاصح تاريخ مادة كنا قد درسناها بنفس الفحوى فى العام الماقبل المضى ، اذا بطالب يعطيني ورقة لاملأ بيانات شخصية من اجل الكتيب الجامعى ، فأستوقفتنى عبارة (كلمة منك للدفعة) للاسف لم اجد فى جميل الكلام ما يجعلني اكذبهم به ليس تحاملا على الدفعة بعينها انما لأننا كنا طلاب سوقوا منذ الثانوية بأحلام الرفاه الجامعى ، نشئوا على احلام ابائهم وطموحات اقاربهم الذين ورثونا طموح المقامات وليس الطموح الذاتي او الابداع الداخلى لكل فرد منا ، وكان الجرم الاكبر من قبل الدولة ومن قبل مناهج التعليم ومن قبل انفسنا ، ضعنا بين الجديد والمستحدث .

وكان الصرح العملاق من العلم والتاريخ ( جامعة الخرطوم ) لكوننا دائما عشنا فى التاريخ المنهجى وتاريخ الحلم وتاريخ المجد ، واكتشفنا اننا لم نهيئ لا باحلامنا ولا بتعليمنا لمواجهة عصر انقلبت فيه الموازين رأساً على عقب ،لم يدعوا لنا مساحة للتحديث وما استطعنا ان ننفك من اسرنا ، ترى اكثرنا متعة للعلم وبحثا عنه تأخذك الشفقة عليه لكونه يتعاطى ما لا ينفع ويجني ما لن يفيد سواء فى مجال عمله او توسيع مداركه فهو قابع فقط فى ما قبل التاريخ .

خطأ من هذا ؟ الجهاز التعليمي ام سحر التاريخ ام فشلنا ؟ ..... فى اول العام نتهافت على القاعات من اجل المعلومة المتطورة من اجل عطشنا للاستاذ الجامعى وطريقة حديثه ومكانتنا فى دنيا جديدة تثقيفية ، متجددة الحياة واذا بنا نتفاجأ ان الاستاذ هو ضحية اخرى من ضحايا الدولة او المجتمع يأتيك اما كله حزن ويأس وهو يعطيك جرعات الشفاء التى قتل منها ذات يوم او يوعظك وكله مرارة كأنه يريد ان يقيلك من افكاره الموروثة . هذا اعلمهم أما الأغلبية فهم تجار علم وليسوا اصحاب امانة بينهم المنكر للعلم وبينهم الموظف الذى ينتظر المرتب ، وبينهم المتسلق ... الخ .

لم يعد غريب على جيلنا والاجيال السودانية طبع الهمجية او عدم احترام المواطن والفرد لذلك لم نكن نتعجب تاكل المبنى ، واتساخ القاعات ، وعدم احترام الوقت ، واستخدام ادوات التعليم البدائية فبدورنا تاكلت احلامنا مع جدران قاعاتنا واستمرت تجارة النتائج النهائية ، واصداماتنا اخر العام بعلامات يحكمها فى المقام الاول مزاجية الاستاذ وحالته النفسية .

ماذا تتوقع من جيل نحره عدم التوازن والتكبيل ؟ كيف تكسب عقل جبار تحتاجه ليبنى لك مسافات المستقبل ؟ ...... لم نطالب باهدار موارد الدولة فما نراه مؤخراً من كبرى مباني او قلاع المؤسسات المدنية كفيل ان يكون شاهدي ، ولكننا نطالب على الاقل فى المستوى الداخلى والخاص بنا امل فى ان نبني مستقبل مشرف لانفسنا قبل بلادنا ، حرمتمونا حرية التعبير والاصدامات التى تنكرونها بين الاحزاب السياسية داخل الحرم الجامعى وادنتم هذا الشغب والمظاهرات التى لم تأتي من فراغ فيا سادتى دارفور هى خير برهان على عبثية الدولة فى فض نزاعاتها فماذا تتوقعون من صغار السن ؟ من حرمتموهم متعة اكمال سنين دراستهم فقلصتم سني السلم التعليمي .... من فتحتم لهم ابواب المتاجرة بالتعليم وكان القبول الخاص ومكاسبه ، فأصبح جيل لا يبالي لكون ابائهم لا يابهون فى دمج الصحيح بالخطأ .

رغم اننا نحن الضحايا كان لا بد من أن تسود موازين القوى فنصبح نحن المفسدون لمجتمعنا وتاريخنا وانتم ورثة السنوات البيض .... ولكنكم لعبتم دورالقاضى والجلاد معاً .

على من تراهن سيدي فى كل معاركك القادمة ؟ العامة ، ذوى النفوذ ، الشعب المتصارع ...؟
جميع هؤلاء يمكن كسبهم ولكننا لا نبالي اعطنا الحقيقة ...... حقوقنا ...... حريتنا لنعطيك وطن يغوص فينا صدق حبه وليس نفاقا .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوم في مصحة عقلية

من يعش بين المجانين يصعب عليه العيش وسط العقلاء  في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا  اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.  تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل... اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد. لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتم

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه