التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سقوط الصنم العربي الأول

استميحكم عذرا ايها القراء ساكتب اليوم بلا شروط للكتابة وبلا قوانين للنشر . ساكتب وقلبي يرقصُ فرحاً كما يسمو فرحه بسقف تمنايته واحلامه العراض ، أن يكون فى المستقبل الكثير من الامل وليس بصيص امل . فاليوم فقط ومن قبل شهر وانا اترقب ثورة جديدة وتغيير كبير ، مزاج عربي مختلف ، تحديات جهوره ، وشعب جبار .
اليوم اثلجت تونس صدري ، وفرحتُ فرحاً كبيراً كبيراً بأن ارى وانا فى قمةِ وعيي وشبابي حضورسقوط كبير ومدوي لاحد اصنام العرب . وانا اشاهد الاخبار واستمع بدموع دافقه وفخوره فى الذات الوقت اود حينها ان اكون من ضمن هذه الصفوف العريضه والجماهير الشجاعة والفتيات اللاتي تركن زينتهن وبيوتهن وسذاجة التفكير الجندري ليقفن في صفوف الاحرار يهتفن بلا مراعاة لثياب او نظرات العامة .
قرأت الكثير عن الوطنية فى التاريخ الحديث فى الشعر فى الروايات وفى الثورات الحديثة لكنني لم اتخيل ان اكون حاضرة هذا الزفاف الكبير . عبارة الشابي التي درسناها وتلقن على مسامعنا حتى اصبحت جزء من تعريف الحرية والوطن " اذا الشعب يوما اراد الحياة : فلابد ان يستجيب القدر " كادت أن تنطفئ بداخلي وكدتُ أن اكفر بالشعوب فى منطقتنا الافريقية والعربية وانا اشاهد كل يوم وجع وبؤس وخوف وصراع واحزاب هشة فى كل بقاع الوطن العربي.
لم احضر ثورة بن بلة فى الجزائر ، ولا كوامي نكروما فى غانا ، ولا جمال عبد الناصر فى مصر ولم احضر سقوط الدكتاتوريات فى امريكا الجنوبية كنت اراها متحركة عنيفة في خريف البطريرك لغابريل غارسيا ماركيز . مع قراءة الوضع الحديث والتغيرات فى عهد العولمة والمؤسسات المدنية والحريات التي تعلو سلطتها فى الغرب لم يكن فى مقدورى ان اصدق ان القادة سوف يعودون مرة اخرى او الشعوب ستستطيع ان تنفك من تناحراتها الصغيرة والكبيرة وعرقيتها فى كل الوطن العربي الى ان أحببت هذا القائد الوسيم فى لبنان حسن نصر الله وهو يلقن الاسرائليين درسا فى جنوب لبنان استهواني هوغو تشافيز وهو يبشر بصلاح انساني غريب ويعطي أمل بان يكون على الارض من يهتم بعدالة الفقراء دون رفع شعارات وافعاله تعلو اقواله.
لكن اليوم فى الرابع عشر من يناير يسقط الشعب التونسي وهنا اقول الشعب التونسي بعيدا عن الاحزاب بعيدا عن الجيش بعيدا عن المسميات التقليدية التي تًسقط بها الحكومات ، يسقط الكذب والدكتاتورية والفساد ويكشف لاول مرة ان هنالك شعوب تنتصر بالدماء وبالصبر وبالعزيمة على خوفها وعلى حكوماتها وعلى الموروث. هو لم يسقطها فحسب إنما يطالب باكثر يجادل اكثر يتحدى لابعد من حريته هو يريد عدالة ، وتغيير.
يا سادتي الدرس الذي تعلمه الشعب التونسي انه لا يرضى بالتنازل بعد الان ولن يرض بالمساومة فى حقه ان كانت حكومة صادقة او بديلة لها واعده بالاستقرار . لن تهدا لهذا الشعب ثورة دون ان يزحزح اصنام الرئاسة جميعهم ، دون ان يأخذ بثأر كل الشهداء وكل الأبرياء الذين ذاقوا وطأة الفقر والبطالة. هي ثورة لشعب حقيقي يعاني حقيقةً مؤمن بقضيته يدافع عن لقمة عيشه وعن كرامته.
مبروك لكل تونسي ، مبروك لكل مظلوم داخل السجون التونسيه ، مبروك لمعارضيهم ، مبروك للشهداء وذويهم ، مبروك لكل من فقد الامل فى نصرٍ جديد ، مبروك لكل مناضل سيستأنف مقاومته ، هنيئاً للشعب التونسي بهذه الثورة. فبعد الان سيرتجف كل طاغوت من اهله وشعبه ، سيخشون اكثر من معارضيهم "مسامير الأرض" كما أسماهم بركة ساكن ، سيخشون تمرد الجوعى والفقراء والمشردين ، سيخشون على انفسهم من عصيان المدنيين والخارجين عن دياناتهم.
هي ثلاثة وعشرون عاماً من الكبت في ألفيةٍ الفوا فيها الصمت والخضوع وبالتأكيد لن يخضعوا لاختبار جديد بعد اليوم ولا لألوان من الغش يلبسها حاكم مزيف من الاساطير القديمة ... ماذا يريدون الكل يعلم ولكن ماهي الوسيلة والشخصيات لا أحد يعلم فهذه ارادة شعب لا يمكن التكهن بها .. العام القادم ستمرعلى الخرطوم ذات الثلاثة والعشرون عاماً فهل يا ربي سنثور ذات الثورة ... ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوم في مصحة عقلية

من يعش بين المجانين يصعب عليه العيش وسط العقلاء  في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا  اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.  تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل... اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد. لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتم

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه