التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مدرسة الواقع التي قتلت التغيير

"ديل شباب صيع وماخدم الحماس وقالوا شنو؟ دايرين اغيروا .. ياخي ديل واهمين احنا فى زمنا النضال كان ...."
"والله قالوا فى شباب بتاعين فيس بوك ولا شنو ، عايزين يوصلوا صوتم للدولة واغيروا الحكومة ... هاهاهاهااااااي بحلمه"
"طيب انته عايزين تغيروا الحكومة او تقلبوها عشان تجيبوا منه .. "
"احنا ما زي مصر ولا تونس احنا دولتنا معقده وفيها كمية من المشاكل .. ودة ما الوقت المناسب للتظاهر او التغيير"
"انته قايلين روحكم التوانسه ولا المصريين .. ديل عندهم بدائل للسلطة والحكم انته بديلكم منه لو ما عايزين لا الحكومة ولا الاحزاب؟"
"والله احنا ما بنأيدكم لانه بالنسبة لينا الجماعه ديل احسن السيئين .. احنا جربناهم كلهم وديل افضلهم"
"اوووعك يا بت/ولد تطلع/ي فى المظاهرة دي .. ناس الأمن ومكافحة الشغب ديل ملاقيط وما عندهم شئ يخسروهو .. حيأذوكي ويجدعوك للكلاب .. وبعد كدة ما حيحصل تغيير"
"بتبالغه دايرين تسقطوا الحكومة انته شفع ما شفته للازمان الفاتت حاجه .. الحكومة دي وفرت البنزين والعيش وعملت كباري وصلحت البلد .. بعدين الوضع الاقتصادي السئ دة موجود فى كل العالم .. ياخي خليكم عقلانيين"
"ما قلنا ليكم من البداية ما حتقدروا عليهم .. وانته مفروض تتنظمه اكتر من كدة والموضوع محتاج ترتيبات اكتر .."
"ياخي شفع شنو المعظم اعمارم فى العشرينات والتلاتينات .. مسكوهم جلدوهم بتاعين الامن عشان يتأدبه واعملوا فيها مناضلين مرة تانية "
"قلنا ليكم حركتكم دي ما حتنجح لانه ما داعمنكم الاحزاب لو كانوا معاكم كان نجحته وكان علمناكم التكتيك .."
"والله ما تنجحوا لانه ناس الأمن ديل مزروعين ليكم فى أي حتة .. ياخي ديل اولاد كلب حيجيبوا خبركم لو يقتلوكم كلكم.."
"من زمان كنته وين بس الموضوع لمن يبقى فيهو محاكاة بتحاكوا التوانسه مش؟"


هذه أكثرية المقولات التي يتداولها الأهل فى منازلهم ، أو الأصدقاء فى جلساتهم ، أو المدراء والموظفين فى مكاتبهم حول حركة 30 يناير أو شباب للتغيير أو شباب ضد الكيزان .. نلاحظ جلها سلبية ويشوبها التنظير للأسف ، منهم أباء وأمهات ، منهم اصحاب رؤى سياسية ، ومنهم اصحابُ ألسنة قادرة على النقد ، وأيضا اصحاب تجارب صغيرة جلها فشلت مع النظام بالتحديد او لا توجد لهم تجارب أصلا.
لاحظت فى كثير من تفاصيل حياتنا ونضالاتنا الصغيرة او الكبيرة أننا نتبنى الأراء السلبية ، ونتبع طريقة فى النقد الغير بناء ربما لقضاء الوقت فى "الحكي" حول نعلم وما لا نعلم ، أو لنثبت أننا جديرون بالاضافة فى قضايا الاخرين حتى اذا لم تكن تهمنا. وهذا يبدأ من تدخل الاهل والوالدين فى حياتك الشخصية وتحديد مسار مستقبلك الى المرور بحياتك العملية وتقليد الزملاء فى دراساتهم أو إستثماراتهم الى أن يصل بك الحال وتجد التدخل والتقليد حتى فى حياتك الزوجية وقراراتك المصيرية.
الوطن كقضية لا ينفصل عن كل ما ذكرت فنحن نتبنى الأراء بطريقة غريبة ، وهي طريقة "البغبغاء" نردد ما يقوله الآخرون فى ساحات النقاش دونما نفكر فيما يقولون ، وعندما نأتي لذات النقاش فى حلقة أخرى نجد أنفسنا نكرر ذات الحديث وننقله (بضبانته) بغض النظر عن صحته أو إعمال المنطق فيه.
لكوننا تقليديون ومقلدون وسلبيون أيضاً لم نفهم أو نستوعب كلمة "التغيير" هذه التي أطلقها الشباب فى تظاهراتهم أو عناوينهم أو حتى فى اعلاناتهم. ذهبنا للمعنى السياسي وللمعنى للأسف الضيق في فهم التغيير .. وأعتقد هذا هو بداية نهاية التغير.
هؤلاء الشباب وأنا معهم تماماً فى كلمة التغيير هذه حاولوا تحريض العقل السوداني على التفكير ، لكن لم يجدوا أصواتاً كافيةً أو عقولاً ناضجةً تستوعب ما يهدفون له . حاولوا إشعال حالة من التغيير فى الساحة السياسية السودانية بأن يحركوا النفوس ، ويرفعوا من روح الشعب المعنوية ، ويتحدثوا باسم مواطن بسيط ليكون هناك أمل فى التغيير بكل أنواعه إن كان سياسياً ، إعلامياً ، إجتماعياً. واجتماعي فى تقديري هي الأهم لكونهم شباب من طبقات مختلفة بلا لونية سياسية ، وأصحاب مطالب حتى إن كانت مستحيلة فهي حلم كبير فى نظر الآخر صغير.
ليس المطلوب هو اسقاط الحاكم فقط المطلوب هو إسقاط التعفن والسلبية والاحباط المتوارث منذ سنوات ، كما مطلوب إستيعاب ومناقشة الطرق الجديدة والخلاقه فى تطبيق التغيير . قد نسقط الحاكم بالفعل لكن سيأتي حاكمٌ جديد لشعبٍ قديم .. إذن ما الفائدة ؟. أحبتي المطلوب هو دعم كل من له حلم وفكرة جديدة يريد اشراكنا فيها ، مطلوب صمت حكيم حينما لا نضيف للجماعة شئ ، مطلوب مشورة عملية ، مطلوب نصيحة بدون استعلاء الاجيال الذي نمارسه على بعضنا منذ الآف السنين.
أجمل شئ فى تظاهرة هؤلاء الشباب أمر لم تستطع لا الأحزاب ولا الحكومات ولا التاريخ تحقيقه أو التخلص منه ، وهو الإبتعاد عن التفكير فى اللون القبلي او اللون السياسي وهذا فى وجهة نظري أول خطوة لبناء شعبٍ واحد ذو مطلبٍ واحد. وأصدقكم القول هذا الشئ الوحيد الذي أراهن عليه لإسقاط الحكومة فى السودان وهو ما دفع بالكثير من الضباط الكبار في جهاز الأمن للخوف من هذه الحركة ، بمعنى أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا تهماً لهؤلاء الطلاب او الشباب تدينهم ، فخافوا من هذا الحماس الذي لا يوجد خلفه غير مبدأ،لم يجدوا خلفه حاكم او شخصية عامة او حزب او سياسة او سلطة ، وجدوا المبدأ والإيمان بالقضية.
يجب أن نفخر جميعنا أن فى بيوتنا شباب ومراهقين يحلمون بوطنٍ شامخ ، وبسماء صافية ، ومالٍ حلال ، ونساءٍ مناضلات. يجب أن ندعم ونستفيد من هذه العقول التي نضجت لتخلق لكم ولهم حياة مختلفة ، وحكومة عادلة ، واقتصاد متماسك ، وعمالة نزيهة ، ومستقبل لصغار قادمين .
لكل من يقول من هو البديل؟ أجيبه هؤلاء الشباب هم بديلكم ففي وسطهم حاكم أمين ، ودستوريٌ ضليع ، وقائد نزيه ، ووزيرة عادلة ، وجيش يحمي أمنكم وحدودكم وأعراضكم.
لا يريدون شئ غير فرصة للتغيير .. فابدأوا بأنفسكم .. وكونوا إيجابيين وواثقين وطموحين.

تعليقات

‏قال غير معرف…
كلام رائع وهادف وبناء ولكن تشابهت علينا الأبقار لاندرى صاحب هذه المدونه يحلم بالتغيير ام هو له ولاء للنظام الذى يحكم هذه البلاد والعباد.
اذا كان يحلم بالتغيير فهو بالضرورة يا عزيزي/تي يطالب باسقاط النظام الفاسد .. شكرا للكلمات الجميلة

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوم في مصحة عقلية

من يعش بين المجانين يصعب عليه العيش وسط العقلاء  في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا  اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.  تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل... اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد. لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتم

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه