التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من اضاع من؟ الحب ام الرجولة؟


مجتمعنا السوداني مريض وفي تراجع دوماً لأن صوت السياسة يعلو صوت الرومانسية ، وصوت الخوف يعلو صوت الحب ، وصوت الرجل يعلو صوت المرأة ، وصوت الشك يعلو صوت حسن الظن ، وصوت البندقية يعلو صوت العصافير .. وتهرب الزوجة من زوجها خوف الخيانة ويهرب الطفل من أهله خوف القهر ويهرب الحق من اصحابه خوف التزوير. 

لا نعترف بأننا خائفون ، ولا نعترف بأننا عشاق ، ولا نعترف بأننا خطاؤن بل نفتخر بذنبنا وندافع عنه ، نداري خوفنا لاخفاء عجزنا ، نتبختر ببغضنا لكي لا يسمعون منا كلمة حب واحده او يحدقون في عينان براقتان من العشق .. ورثة اجداد وتربية اباء لا تسوى ان تشتريها ولو " بنعلات"

ليس من عادتي ان اذكر مناسبات ما اكتبه او لحظة الايحاء والنطق انما اعتقد هذه المرة ان المناسبة تهمني لتوضيح ما كتبت اعلاه. كنت قد انتهيت من مشاهدة الحلقة الاخيرة من الدراما السورية " الغفران" اخراج حاتم علي وللاسف في الحلقة الاخيرة صدمتني الاحداث الموجعه في نهاية قصة حب انتهت بالطلاق وبالحسرة رغم محبة الطرفين لبعضهما ورغم شحنة المشاعر الملتهبة لكل واحد منهما في نفس الثاني . فيطل مشهد النهاية صدمة زوج سابق كان بين جنبيه امل في الرجوع وزوجة تصادفه في مكان عام بخاتم زواج جديد وبحمل قادم . فجلس الزوج يبكي بين اهله وزوجة سابقه تنظر اليه بنصف حزن ونصف لا مبالاة. 
الي هنا الامر عادي اما الغير عادي هو انه يؤلف كتابه الجديد كونه كاتبا بعنوان " رسالة الى عزه" وهو اسم زوجته السابقة . وجدت فورة قلمي وفورة مشاهداتي في حياتي هي التي تكتب نموذج ما اراه ويصادفني واعيشه يوميا في السودان ، من خوف ومن كبرياء مزيف ومن ممارسات هي الوهم بعينه. نعيش الفن والحب في التلفزيونات والمسلسلات وفي الكتب ولا نطبقه على ارض الواقع لكيما لا يسخر منا الاخرون. 

نتحدث في السياسة كعلماء ونتبناها في جلساتنا وبيوتنا وفي لقاءتنا ولكن لا نعرف كيف نمارس السياسة او نطبقها ولو ان رجلا ممن يتشدقون بالسياسة وجد زوجته تشاهد حلقة من المسلسلات التركية او المصرية او السورية وتبكي لسخر منها في كل المجتمعات واسمعها ارذل الحديث في هذه المسلسلات ، ولكنه لم يسأل نفسه سؤال لماذا تبحث زوجتك عن الرومانسية في مكان غير كنفك ؟ وفي عوالم وهمية ومزيفه هل لديها حوجة لذلك ؟ هل هي تبحث عنك في مكان آخر ؟ هل تهرب لتنسى ان في الواقع لا توجد مثل هذه الرومانسية؟ 

من اورث السوداني هذا الفهم والعلم العقيم بأن الرجولة هي القسوة وبأن الكتمان هو المفخرة وان التجهم والتجلد هي العز وان صفع النساء والسخرية منهن هو النضج؟

المقام هنا ليس مقام دفاع عن المرأة انما دفاع عن المستقبل دفاع عن الرجل السوداني الذي خلف الدمار ويخلف كل يوم دمار ويواصل في ذنوبه وهو جاهل ان الطريق الذي يسلكه هو طريق الموت والنهاية والبغض والخوف . سيدي السياسي اذا لم تعلم أن الحب والخير هو السياسة فلن تنفعك خبرتك ولا علمك ولا نظرياتك النيرة في حل مشاكل هذا المجتمع ، اذا لم تعرف ايها الاقتصادي بأن المال هو العدل والحنو وافشاء الرحمة لن تدوم لك ثروة ولو كانت اموال قارون ، ايها الاعلامي اذا لم تعلم ان برامجك هي من نبض الحلم والوجع والامل والخوف المزروع في من يشاهدك فلن تستطيع المحافظة على شاشة براقة . 

احيانا اشعر انني في مسرحية كل شي مزيف وتمثيل فالمسرح ملئ بالممثلين وبالاقنعة التي لو سقطت لاستطعنا حل مشاكلنا وتهذيب دواخلنا واصلاح واقعنا.  التفت من حولك وتأكد انك أب صالح وزوج رومانسي ولديك أبناء يحبونك ويحترمونك ؟ التفت من حولك هل تهتم لغيرك ؟ هل تراعي هل انت انسان يشعر بالظلم ويخاف ان يظلم تحسس نفسك في المرآة هل انت حقيقي ؟ ما تقوله هو ما تؤمن به وما تعايشه هو من صنعك ؟ 

يا اهلي وبلادي ما تبذلون فيه الغالي والنفيس هو لا ينفعكم وما تخبئونه وتخجلون منه وتهملونه هو حل كل مشاكل الارض ، هو سؤال وحيد من اضاع من هل الرجولة اضاعت الحب ام الحب اضاع الرجولة؟

تعليقات

ملاذ....سلامات جميل ماخطه قلمك وهو اضاءة لمسكوت عنه في حياتنا السودانية تحت الكثير من الدواعي والاعتقادات...اتمني ان تتواصل مثل هذه الكتابات لانها تدعو لتغيير واقع يعيشه مجتمعنا منذعصور ...لماذا لايكون لدينا ثورة مفاهيمية لنفض كل ماهو قديم وبالي في نسيج حياتنا السودانية وارساء دعائم قيم وحياة جديدة؟؟؟؟

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوم في مصحة عقلية

من يعش بين المجانين يصعب عليه العيش وسط العقلاء  في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا  اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.  تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل... اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد. لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتم

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه