التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما بين الصفوة .. والعامة

في عُرفْ الطبيعة تنهمر الشلالات من الأعلى للأدنى وتجُود الجبال بعلوها وشموخها على السفح. العلو بالنسبة لي لا يعني الرِفعه ولا المكانة – كما نصفه في ثقافتنا العربية - إنما شأنه شأن اي رزق يجريه الله على العباد إن كان فى جاه او سلطان او فى حكمة وإبداع.
يتحدث "المثقفاتية المثاليون" فى كل ابحاثهم الأدبية والفكرية عن المساواة والعدل ما بين الطبقات في المجتمع ، كما يبحثون في كيفية تحقيق التكافؤ بين الكادح والمُنعم وما بين العامة والصفوة ، ولكنهم للأسف نسيوا الأمر الأهم والأخطر والأجدى أيضاً الا وهو تحقيق الموازنة الفكرية والتثقيفية ما بينهما ، فما يجمع العباد عند الله تعالى فى عبادته هو العقل والتدبر. إذن دعونا نتسائل ماذا فعلت عقول الصفوة في مجتمعنا للإرتقاء بالعامة البسطاء من أهل بلادي ؟ وهنا تتفاوت المعايير والمقاييس بين كل صفوي وكل عامي.

ما هو الفرق ما بين صاحب المؤلفات المتراصه على المكتبات ولا يقرأه الا من هم بمستوى عقليته ، وما بين الذين كلما يحصدون علما يزرعونه فى غيرهم . إن دورة الحياة لا تنتهي فالله تعالى جعل ارتباط العلم ببعضه متيناً ، وما بين العقول يجب أن يتوارث ويتصل ، فنظرية الاحتكار هذه اصبحت غير شرعية وقانونية وإنتهى عهدها . فكيف لنا ان نحتكر العلم والثقافة على فئة بعينها ، ويشهدون لنا بالتسميات العلمية ونحن لا نطبقها لا فى حياتنا اليومية ولا نشارك بها غيرنا.

من هنا تأتي مسؤولية اهل الجبال على من هم فى السفح فنشر العلم لا يحتاج الى فصول او مدارس ومصاريف كما نعتقد ، إنما العلم هو منع الخطأ وإفشاء المعرفة لمن لا يعوونها ولمن لا يبحثون عنها فلو كان طلبة الجامعات الذين يملأون ساحة "السوق العربي" يطبقون العلم ويزرعونه ، ولو كان المتعلمون يساهمون فى رفع مستوى الوعي اليومي في سلوكياتنا لما أصبح للمأكولات الملوثه رواجاً ، ولما تساوى الكلاب والبشر في قضاء حاجتهم ما بين الأزقة والطرقات ، ولما إستبدت حكوماتنا أيضاً . لذلك إن ما بين الصفوة والعامة مجرد مسافه وهمية يصطنعها المجتمع فى تمجيده لقيمة العلم نفسه دون النظر الى كيفية الانتفاع منه.

الصفوة هم مجرد محتكرون للفكر والعلم ومحتفظين به على أرفف قراء لا تضيف لهم شئ ، ويصلون بمكانتهم المرموقه هذه الى مصافي المثقفين والعارفين كما فعلوا اهلنا اصحاب الطائفية السودانية ، فجميع مريدينهم مجرد جُهلاء لا يتجرأ أحدهم ان يبحث عن مكانة شيخه بالعلم والتطلع ، فشيخه لم يملكه حقيقة العلم ولم يعطيه مِفتاح الوصول اليه نتاجا لذلك إرتفعت معدلات الجهل فى الامة.

اما العامة فهم مجرد أصحاب تطلعات وأحلام يتوهمون ان تحقيقها لا يقتضي الا المال والسلطة لذلك يظلون دوما فى القاع ولا يتخيلون ان هذه القمة مصيرها الى زوال وأنها تقتضي جهد الوصول. يا سادتي دوماً القاعدة هي الأساس وهي مركز الثِقل الذي يُبنى عليه ، لكن الثبات عليها دون الإرتقاء يعني الإستكانة والرطوخ لمجهول لا نعرف أبعاده. القضية ليست سوا مسميات مزروعه فى أخيلتنا تجعل الفجوة أكبر في تقلصينا لها.

يا أهل العلم والمعرفة هي فقط مسؤوليات وأدوار متلاحقة على كل صاحب عقل متحفز للعطاء ومؤمن بواجبه تجاه ذاته ومجتمعه ، من يحمل فى جوفه علماً فلينشره لنرفع من شأن غيرنا قبل أنفسنا ... هذه هي الصفوية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه

فزع

هل جربت ان تصحو منتصف الليل فزعا تتحسس مثلك وقيمك؟ هل أضناك البحث عن أسباب انهيار القيم المجتمعية والاخلاقية فيمن حولك؟ هل تبحث بين الكتب والمراجع عن مجتمعات فاضلة لتندس وتهرب اليها؟ هل تطيل النظر في عيني كل من تتعرف عليه حديثا متفحصا ومتوجسا من أن يكون مفلس أخلاقيا؟ يعتقد الاغلبية منا أن من أبتلوا بالاعاقات النفسية ومتكدسين في المستشفيات والمصحات العقلية أنهم ضحايا الحياة أو ضحايا أنفسهم، لكنهم مع الأسف ضحايا مجتمع (زيرو أخلاق) مفلس وغير واعي لافلاسه. تقوده جذوة النفس الأمارة بالسوء وهو لا يدرك أنه من أهل السوء ويكاد يهدم ويقتل ويحرق ليثبت أنه ليس من هذه الفئة حينما تصبح الاخلاق مجرد جمل وصفات تكميلية تكتب على السير الذاتية وليست افعال تمثلنا حينها يصبح جميع من بالمجتمع ملصقات مزخرفة معبئة بأردئ أنواع المنتجات مغشوشة ومزيفة