التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحـــبْ .. عزيزُ قومٍ ذلْ


أربعه أو خمسة أو أحدى عشر عامًا هُدرت في التجارب الفاشلة ، قد لا نسميها فاشلة بمنظور عواطفنا ولكن بصيغة العقل ومقاييسه هي فاشلة ، لأنها حينما سُكبت كان الوعاء أصغر وأضيق من حِملها . أو ربما لم تثمر بنهاية جميلة وهانئة كما يتصور البشر بسذاجتهم المعتادة .

بلادنا لا تؤمن بالتجارب الشخصية العاطفية كقياسات للنجاح والتجربة ومن ثم التعلم إنما تصنفها كتجارب أضاعت شبابنا وأحلامنا ، وكأنما متوقع منا نحن النساء طريق النجاح والحكمة وعدم التجريب في كل خطوات العمر.يرى الكثيرون بحكم وصايتهم على المرأة أن رؤية الأنثى الشخصية لتجاربها العاطفية هي مجرد أحاسيس غير ناضجة فهي تعيش حالة من الأسى بعد الفشل المذكور ونعاقبها على خوض هذه التجربة بدلاً من أن تفخر هي وتنتقي من نجاحتها ما يعجبها وتتعلم مما أحزنها.

تجربة الحب في بلادي هي وزر أخلاقي للفتاة تحملها على ظهرها مثقلة بمشاعرها الجميلة ولكنها تترجم عند الآخر بمقياس قاسي وكريه فلا يمكن لها أن تختار بعاطفتها مهما كانت العواطف صادقة ، ولا يمكنها الأحتفاظ بحبيبها لانها دائما في دائرة الحلقة الأضعف أمام المجتمع المنافق... فحتى الحبيب هو صديق اليوم وعدو الغد بمجرد إنتهاء هذه العواطف وفتور مشاعره .
يحكي ويتحاكى عنها ، يلفظها ويطوي صفحتها بالنسيان ويبحث عن بنت الأصول ، وزوجة محترمة بيتوتية وكأنما حبيبته بلا هوية وليست من أصل لكونها فقط شاركته عاطفتها أو عبرت عن مزاجياتها له .

منهج خطير ينتهجه الشاب في العاصمة مع فتيات المدينة يتذاكى ، يخطط للوصول الى الحسناء ، يدرس مداخلها وعواطفها لكيما يكسب ودها وقلبها وحينما تخضع وهنا الخضوع مرهون بتدفق مشاعرها فقد تعطي حتى الجسد ، وقد تعطي كل الحنان والإهتمام والمشاعر وكلاهما أشكال للعطاء والمحبة مهما أسماها المجتمع وحرفها فهي تتحرك بحاله عشقية ما ويجب علينا إحترامها .

نموذج آخر لفتى بالفعل أحب حبيبته وعاش معها الحب بجماله وخصامه ولوعه ولكن أول حاجز للتخطي لفظها به إما لضعفه أو لظرفه الإجتماعي أو الإقتصادي وأيضاً كلاهما مقاييس لهشاشة العاطفة وثانويتها في حياته ، ويتركها خلفه إما بموقف ما لتكرهه أو يعاملها بقذارة أو بمكالمة هاتفية تقول كل الذي بيننا إنتهى.

نساء تحمل نماذج أكثر وتجارب أخطر وهي صامته وثابته في تمرير كل هذه الضربات قبل الزواج ، ما بعد الزواج ، وعند طلاقهن . نماذج لآنسة تضيع 11 عام من أجل رجل وأخرى تفني شبابها في إنتظار الحبيب ، وأخرى أضاعت محطات القطار جميعها وتحلم أن تجده في آخر محطة فى حياتها وحينما تجده يطلقها بلا إستئذان ويرحل ولا أحد يطرق بابها مرة أخرى . فتعيش مشوهه ، أو عاشقة بلهاء في نظر المجتمع ، أو مطلقة متاحه لكل من يريد أن يروي عطشه ، أو ذات سمعة سيئة لمجرد أن حبيبها شوهها بكلام لئيم عنها ، فالكذبة تكبر والكل يؤول ونصدقها فى مجتمعاتنا وتنتشر ولا أحد يكترث لينصفها أو يتقصى الحقيقة .

توجعني كثيرا عبارة روضة الحاج في قصيدة في موسم المد جزر جديد تقول :

خطأئي أنا
أني على لا شي قد وقعت لك
فكتبت أنت أحبتي ومعارفي وقصائدي
وجميع أيامي لديك

يحزنني ملام النفس هذا رغم نبله ، كما يحزنني أنها بصدقها عبرت عن كثير من النساء اللائي وقَــعن بأعمارهن على إتفاقيات لم يُكتب بداخلها إلا كلمة أحبك وبلا شروط جزائية ، وكان الميثاق الأقوى والأصدق من ورقة عقد قرآنها.

أحببت شجاعة أحلام مستغانمي في روايتها الجديدة نسيان كوم التي أهدتها لجميع النساء ولصديقتها التى كاد الحب أن يدمرها ولكنني أيضاً حزنت جدا لكون النسيان لأحلام كان قاسي وشرس في إقتلاع حب حقيقي صادق عند أنثى لا تحمل أسلحة في دواخلها غير أسلحة العشق والذكريات النبيلة .وأتذكر حينها صديقتي - التي تزوجت بعد أن كاد ميقات الأنوثة الطاغية أن يهجرها – وأرى دموعها في ليلة زفافها وأسأل نفسي هل هي تبكي على ماضي عاشته ورسمته بتفاصيلها رغم تشوهاته أم تبكي على مستقبل هي لا تملك إلا عقلها كيما تتقبله ، فمشاعرها مرهقه مرهقة مرهقة ولن تستطيع أن تُرجع سيدة الماضي ؟
من أجل ذلك كانت أحلام تحاول أن تعوض صديقتها فى الرواية بأشياء من الغباء أن تملأ فجوة عاطفتها وتنسى حبيبها الذي فجاءة قلب صفحة قصتهم ورحل دونما تبرير أو حتى إعتذار.


لكنني أقول للرجال الرجال كما أسمتهم أحلام إن المرأة ليست سطحية أو عاطفية بلا عقل أو بلا توازن إنما هي فقط تعطي بغريزة الإهتمام الذي يراه الكثير منهم خانق ، هي غريزة الغيرة التي لا تستطيع ترشيدها رغم عقلها الكبير ، هي غريزة الأمومة التى تقلق وتخاف وتعطي دون مقابل رغم تضجر الرجال بهذا القلق وأحيانا تفسيرهم له بالسيطرة أو حتى "الخفة" الغير لازمة.

ليتني أجد لكل النساء اللائي أحببتهن وأعرفهن في حياتي رجال يحترمون هذا التاريخ العاطفي لديهن ، فهن عاشقات بمرتبة الشرف يكتمن هذا التاريخ الجميل من أجل متطلبات مجتمع عقيم وبليد يرى في تجاربهن قذارة ودونية وتهور .. هي تحتفظ بمدونات تاريخها في خزانه عتيقة فى الذاكرة من أجل رجل يحب أن يراها بعينه هو وبمسمياته هو "الشريفه ، النظيفة ، الخالية من التجارب" مسميات ساذجه لكيما يعيش فى الصدارة ولكنه للأسف لا عرش له في حياتها ولا في خانة الحب أو الإهتمام ولا حتى التفاهم . هي يا سيدي فقط أسيرة ورقة زواج ساقوها اليك بوجه جميل وإبتسامة مصطنعه وبدواخل متناثرة ونازفه .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه

فزع

هل جربت ان تصحو منتصف الليل فزعا تتحسس مثلك وقيمك؟ هل أضناك البحث عن أسباب انهيار القيم المجتمعية والاخلاقية فيمن حولك؟ هل تبحث بين الكتب والمراجع عن مجتمعات فاضلة لتندس وتهرب اليها؟ هل تطيل النظر في عيني كل من تتعرف عليه حديثا متفحصا ومتوجسا من أن يكون مفلس أخلاقيا؟ يعتقد الاغلبية منا أن من أبتلوا بالاعاقات النفسية ومتكدسين في المستشفيات والمصحات العقلية أنهم ضحايا الحياة أو ضحايا أنفسهم، لكنهم مع الأسف ضحايا مجتمع (زيرو أخلاق) مفلس وغير واعي لافلاسه. تقوده جذوة النفس الأمارة بالسوء وهو لا يدرك أنه من أهل السوء ويكاد يهدم ويقتل ويحرق ليثبت أنه ليس من هذه الفئة حينما تصبح الاخلاق مجرد جمل وصفات تكميلية تكتب على السير الذاتية وليست افعال تمثلنا حينها يصبح جميع من بالمجتمع ملصقات مزخرفة معبئة بأردئ أنواع المنتجات مغشوشة ومزيفة