دائما ما يراودني سؤال .. لماذا حينما لا تتفق مزاجياتنا والآخر نبدأ الحوار بالخلاف والخصومة والجدل ، لكيما نفرض مزاجياتنا وكلماتنا وشريعتنا ؟ . لماذا دائما فى مخليتنا أننا الأفضل والآخر هو الأقل فكراً وعلما وحكمة ؟ هي أسئلة فرضها علي الواقع الذي أعيش بدأً من الحياة الإجتماعية ، مرورا بالمراحل الدراسية ، إنتهاءاً بالحياة العملية .
الذي يدعوني للتساؤول دوما أننا حينما يستعصي علينا الآخر بفكره وبعلمه الذي لا يتوافق وموروثاتنا او مصالحنا نستخدم معول السلطة العليا بكل أشكالها إما الصوت الجهور ، اليد الكاسره ، السيخ القاتل ، او التكفير وسفح الدماء . أدوات رادعه لا مفر من التصدي لها و عدم الخضوع لها في ذات الوقت . وهنا ينتفي منطق التفكير والحوار وإحترام وجهة نظر الآخر وأدب الإختلاف.
لقد لاحظت إنقسامات الشباب فى الفترة الأخيرة وإهتمامهم ما بين الدين وأمور الفقه والعبادات ، وبين طاولات الشيشه والحشيش وجذب النساء .. وبالفعل هذه سنة الحياة وتنوعها هنالك الصالح وأيضا الطالح ولكن ماهو مقياسنا للصلاح والعربدة والخروج عن الصحيح طالما دائما هنالك ظروف ومتغيرات تؤثر على الإنسان الطبيعي في أسرته وفى ماله وحتى فى بلده . وأيضا طالما هنالك خيار الخروج أو الدخول فى الملة إذا كانت مسلمة أو مسيحية او غير ذلك من الديانات .
ما يخيف ليس هذا الإنقسام إنما إتساع الفجوة في التفكير ما بين الفئتين فالصالح (بمفهوم المجتمع ) يرى فى صديقه الطالح ذلك العربيد الشيطان الزنديق وبالمقابل صديقه الطالح ( أيضا بمفهوم المجتمع ) يرى فى الآخر ذلك المتزمت الخانق الذي لا يرى أي معنى للمتعه فى الحياة ، وهنا تكمن الأزمة هذا الإنشقاق وهذه الهوة التي يقع فيها الصديقان ، والأخوان ، وأبناء العمومة .. هذا الإنشطاح بالتفكير الذي يصور لكل منهما وللمجتمع من بعدهما أنه الأفضل والأعلم والأجدر بالإحترام . والخلاف إن بدى فى كل شي فلا يحق لنا أن نستثمره فى الدين وفى عقيدتنا .
فالدين جعل لنا مساحة شاسعه وواسعه للتوبة وللتفاهم وللتعايش السلمي وحرية التفكير فى الحياة وفى المبادئ وحتى فى الكفر والإيمان .. يبدو أن إنقساماتنا القبلية والفكرية والسياسية إنتقلت بالتأثير على عقيدتنا وعلى وعينا بالإيمان ومنطقه وعلى طريقة إختيارنا للعيش مع الآخر الذي لا يشبهنا ولا يؤمن بنا . أصبح الحديث فى المساجد أكثر حدة وتعنيف ، وأصبح الحاكم أكثر غلظة وشراسة ، وأصبح الشارع أكثر تصادماً وعنفا .
يا سادتي قبل أن نفكر بدونية فى الآخر ، الأجدر لنا أن نستمع له ، أن نتفهم مزاجياته ، أن ندع له مساحة للتفكير وللتوبة ، ومساحة لمعرفتنا .. كمن فتاة ضائعه فى شوارع الخرطوم تحتاج من يستر عورتها وألا ينعتها بالفاجرة ، كم من فتى مهزوم يحتاج ليد العون لكيما يستعيد رشده وصلابته ، كم من سارق يحتاج لدعاءنا بالهداية ، كم من مفكر يحتاج لصوت وقلم لكيما ينشر فكره ، كم من معارض هضمنا حقه فى التصويت .. والنماذج كثيرة
هذه ليست قوانين الطبيعة إنما نحن نتعامل مع قوانين البشر ويبدو أن الخلق نسيوا أن لا خالق لهم وأن الإنسانية هي سلعة رخيصه لا تنفع فى عصر القاضي والجلاد. أهلي الكرام لا تشدوا الحبل أكثر حتى تنقطع الأوصال والمحبة فيما بيننا ، إفتحوا باب للغرباء وللأقرباء وللمختلفين عنا وللتائبين وللعاصيين فجميعهم ينتمون لهذه الحياة ولهذه الارض ... شئنا أم أبينا .
لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة
تعليقات