لدى كل فقير هم وعذر وطريقة تفكير رئيسية وهي أن مأساة حياته في شح المال وكيفية الحصول عليه، ويبدو أن قصر النظر هذا لا يقتصر على الفرد إنما يتعداه الى الدول الفقيرة . فالتعاملات اليومية والمناصب الحكومية والوزارات بأنواعها تنضوي تحت لواء نحن فقراء و نحتاج المال. وللأسف أن هذه الفلسفة تجعل أسلوب هذا الفقير كأسلوب التاجر الذي يود أن يربح في كل صغيرة وكبيرة على حساب اخلاقه وقيمه وأبناءه وصحته، فيرتشي ويسرق ويكذب ويدعي ويختلس بدافع أن المال غير متوفر ولن تواتيه الفرص ليتوفر الا الآن، وينتهج سياسة المال وما بعده الطوفان.
على فكرة المنهجية أعلاه لا تقتصر على الفقير المعدم فقط حتى الغني الذي كسب ماله بعد عناء لديه داخلياً ذات الشعور فكل من يعتريه دونية الفقر كحالة نفسية وهو من محيط دول العالم الثالث "المال بعب حياته" وينحصر في المال وعدمه وعليه تضيع في وسط هذا الهلع خطط وقيم واحلام وأسس ومحطات تنمية وقوانين للرخاء دون أن يدرك أنها هي الغنى بعينه وليست مجرد وسيلة للمال.
اذا لم نتخلص كشعوب فقيرة من هاجس أننا فقراء ستظل بيوتنا وبلداننا متخلفة ومعدمة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والتخلف الذي أعنيه هو عدم اهتمامنا بسلوكياتنا وبطريقة تفكيرنا وبصحتنا وبأبناءنا وببيئتنا وبحضارتنا وبانسانيتنا. فخير من تأسيس بنيان وسيع ووارتداء ثياب فخمة وامتلاك سيارة فارهة هو صنع علاقة محبة بينك وبين ابناءك وبينك وبين زوجك، ونشر قيم انسانية فيمن حولك، ليحترمك الآخر لذاتك لا لمالك.
قد يبدو الحديث مثالياً قياساً بقسوة المعيشة وهول العوذ ولكن لا مفر منه، الجميع يبحث عن الرفاهية لكن على حساب ماهو أهم، يضحي بالنفيس للحصول على الرخيص، نظرية الرفاة لا تعني المال والجاه والمقام إنما تعني الاستدامة وراحة البال وترسيخ الانسانية وتحقيقها بيننا. فكم سمعنا عن مشاريع وأفكار يسخر أصحابها بأنها يمكن أن تتحقق في بلدان غنية وليست فقيرة في حين أن المجتمعات احوج لهذه المشاريع والافكار من الدول الغنية، وذلك لسبب مهم وهو يجب اعادة بناء تفكير هذه الشعوب الفقيرة بأن فقرها ليس فقر مال إنما فقر عقل وقلب ومودة.
لذلك اذا انتجنا من أجل قيمة العمل وليس المال، واذا تعاونا من أجل قيمة الانسانية وليس المصالح، واذا تعلمنا من أجل قيمة المعرفة وليس الشهادة والتفوق حينها سنحصد المال ونطأ مراتب الرفاة والغنى كنتيجة طبيعية وليست كغاية تفقرنا لا تغنينا
تعليقات