التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المال آفة الفقراء

لدى كل فقير هم وعذر وطريقة تفكير رئيسية وهي أن مأساة حياته في شح المال وكيفية الحصول عليه، ويبدو أن قصر النظر هذا لا يقتصر على الفرد إنما يتعداه الى الدول الفقيرة . فالتعاملات اليومية  والمناصب الحكومية والوزارات بأنواعها تنضوي تحت لواء نحن فقراء    و نحتاج المال. وللأسف أن هذه الفلسفة تجعل أسلوب هذا الفقير كأسلوب التاجر الذي يود أن يربح في كل صغيرة وكبيرة على حساب اخلاقه وقيمه وأبناءه وصحته، فيرتشي ويسرق ويكذب ويدعي ويختلس بدافع أن المال غير متوفر ولن تواتيه الفرص ليتوفر الا الآن، وينتهج سياسة المال وما بعده الطوفان. 

على فكرة المنهجية أعلاه لا تقتصر على الفقير المعدم فقط حتى الغني الذي كسب ماله بعد عناء لديه داخلياً ذات الشعور فكل من يعتريه دونية الفقر كحالة نفسية وهو من محيط دول العالم الثالث "المال بعب حياته" وينحصر في المال وعدمه وعليه تضيع في وسط هذا الهلع خطط وقيم واحلام وأسس ومحطات تنمية وقوانين للرخاء دون أن يدرك أنها هي الغنى بعينه وليست مجرد وسيلة للمال. 

اذا لم نتخلص كشعوب فقيرة من هاجس أننا فقراء ستظل بيوتنا وبلداننا متخلفة ومعدمة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، والتخلف الذي أعنيه هو عدم اهتمامنا بسلوكياتنا وبطريقة تفكيرنا وبصحتنا وبأبناءنا وببيئتنا وبحضارتنا وبانسانيتنا. فخير من تأسيس بنيان وسيع ووارتداء ثياب فخمة وامتلاك سيارة فارهة هو صنع علاقة محبة بينك وبين ابناءك وبينك وبين زوجك، ونشر قيم انسانية فيمن حولك، ليحترمك الآخر لذاتك لا لمالك. 

قد يبدو الحديث مثالياً قياساً بقسوة المعيشة وهول العوذ ولكن لا مفر منه، الجميع يبحث عن الرفاهية لكن على حساب ماهو أهم، يضحي بالنفيس للحصول على الرخيص، نظرية الرفاة لا تعني المال والجاه والمقام إنما تعني الاستدامة وراحة البال وترسيخ الانسانية وتحقيقها بيننا. فكم سمعنا عن مشاريع وأفكار يسخر أصحابها بأنها يمكن أن تتحقق في بلدان غنية وليست فقيرة في حين أن المجتمعات احوج لهذه المشاريع والافكار من الدول الغنية، وذلك لسبب مهم وهو يجب اعادة بناء تفكير هذه الشعوب الفقيرة بأن فقرها ليس فقر مال إنما فقر عقل وقلب ومودة. 

لذلك اذا انتجنا من أجل قيمة العمل وليس المال، واذا تعاونا من أجل قيمة الانسانية وليس المصالح، واذا تعلمنا من أجل قيمة المعرفة وليس الشهادة والتفوق حينها سنحصد المال ونطأ مراتب الرفاة والغنى كنتيجة طبيعية وليست كغاية تفقرنا لا تغنينا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا ستختار؟

لا بأس بقليل من البذاءة وعدم الاحترام والتعنت والصراخ والتمرد في هذه الحياة فحتى الرب يستحب اخطائنا وتوبتنا  لكن النظرية المثالية في المجتمع المسلم الشرقي ضد الخطايا وتحفز بعنف شديد منذ الصغر على اظهار الملاك الذي يسكنك على الرغم أنني ويا سبحان الله لم أصادفه في حياتي منذ أن وعيت لمعنى الحياة بالمقابل كل الذي يحوم حولك هو السباب من والديك مع حفنة قليلة من الكلمات الرقيقة الموسمية، تهاجمك شهوة النساء والرجال في مراهقتك ولا أحد يدلك لطريق الخلاص سوى أصدقاء -بارك الله فيهم- ينعتون بأصدقاء السوء رغم أن سوئهم كان المنقذ الوحيد في مقابلة الصمت من المجتمع الذي يعشق الرزيلة ويخرس حينما تحتاجها، ثم تبتلع صديد المجتمع بكل فئاته في العمل في الشارع في الزواج حتى الإمام في المسجد الذي تأوي اليه اسبوعيا لا ينفك يشعل نيران غضبك لا تهدئته النتيجة إما ازدواجية تعتريك كما حدث لكل الذين سبقوك في الحياة وإما صمت طويل لا فكاك منه أو الهرب وغالبا ما يختار العاقل هذا الأخير لأنه أخف ضررا نهرب من بلداننا ومن منازلنا ومن أنفسنا ومن عباداتنا ومن أزواجنا ومن خالقنا فليس لدينا من الشجاعة ولا الايجابية ولا الخبرة

أمـــي .. ولـــــكن !!!

عندما يتحدث الأخرون عن عيد الأم أتذكر أيامنا فى الثانوية حيث كنا نجلس فى شكل دائرى ونتحدث عما فعلنه بنا أمهاتنا .. من تفاصيل ، وغضب ، ونقد . كل فتاة منا كانت من مجتمع ، وتربية ، وموازين مختلفة عن الأخرى ولكن جميعنا كنا نعاني من تربية الأم السودانية. وفي كل صباح كانت تنضم الى حزب النقاش فتاة جديدة .. وكنا نكتشف أن الامهات السودانيات مهما اختلفت مستوياتهن العلمية او البيئية فهن من حواء سودانية واحدة بمعايير ثابته .. حتى اننا دُهشنا حينما أكتشفنا أن حتى الفاظ (التجريح، والزجر والعقوية) متشابهه اذا لم تكن متطابقة . ورحمة الله عليه دكتور عبدالجليل كرار"مدير مدرسة المنار الجديد بنات" كان يأتي ليجلس معنا ويطلق علينا ( جمعية مناهضة الأم السودانية ) فكنا نعترض على لفظ الأم ونضيف (تربية الأم) السودانية .. من الجانبين تربيتها هي كفتاة ، وحينما تغدو مُربية . كنا نفتتح النقاش بملاحظات أو أسئلة صغيرة مثل ( تفتكروا في زول فى السودان بكره أمه ؟ ) كانت الاجابة المعتادة لا وكان السؤال الذي يليه لماذا ؟ كان الرد .. بعد صمت طويل للبحث عن مبرر، وخوفنا منه نقول لأنها بإختصار أم .. السؤال الذي يليه

فزع

هل جربت ان تصحو منتصف الليل فزعا تتحسس مثلك وقيمك؟ هل أضناك البحث عن أسباب انهيار القيم المجتمعية والاخلاقية فيمن حولك؟ هل تبحث بين الكتب والمراجع عن مجتمعات فاضلة لتندس وتهرب اليها؟ هل تطيل النظر في عيني كل من تتعرف عليه حديثا متفحصا ومتوجسا من أن يكون مفلس أخلاقيا؟ يعتقد الاغلبية منا أن من أبتلوا بالاعاقات النفسية ومتكدسين في المستشفيات والمصحات العقلية أنهم ضحايا الحياة أو ضحايا أنفسهم، لكنهم مع الأسف ضحايا مجتمع (زيرو أخلاق) مفلس وغير واعي لافلاسه. تقوده جذوة النفس الأمارة بالسوء وهو لا يدرك أنه من أهل السوء ويكاد يهدم ويقتل ويحرق ليثبت أنه ليس من هذه الفئة حينما تصبح الاخلاق مجرد جمل وصفات تكميلية تكتب على السير الذاتية وليست افعال تمثلنا حينها يصبح جميع من بالمجتمع ملصقات مزخرفة معبئة بأردئ أنواع المنتجات مغشوشة ومزيفة