في الأولى نفوس مضطربه ولكنها صافية، عقول غائبة ولكنها مسالمة
أما في دنيا العقلاء فأنت وسط جيش يقحمك في معارك المشاعر المتسخة والعقول الماكرة إما قتلوك غدرا وإما أسروك تشفيا
اليوم الذي يقتادوك فيه الى المصحة العقلية وسط عدد ليس بقليل من المضطربين، سترتعد من تصرفاتهم وهيئتهم وعبثهم, ويصيبك تشويش ذهني طفيف وأنت تستحضر كل أحاديث العقلاء عن الجنون, وكل ما قرأت عن فاقدي العقل. كما تتدفق صور كل النساء والرجال المتسخين والحفايا والهائمين على وجوههم في الأسواق والشوارع وهم يحدثون أنفسهم ويصرخون، والجميع يتجنبهم أو يصرفهم بلؤم.
تخافهم بعقل ويهابونك بلا عقل...
اذا حالفك الحظ وأطالوا اقامتك بين المرضى -ولا أعلم من هو المريض أنت أم هم- سيهالك الفزع والحيرة عند اكتشافك أنك أول عاقل تسبب في زج هؤلاء إلى سجن الذهول هذا الذي يحاصرهم. حينئذ لا تبتئس وتشعر بالتعاطف أو تبلل خديك عبثا فالمجرم بلا قلب انما بعقل كامل ومتقد.
لا تحاول ان تستجوب المشرف الطبي عن قصصهم فلن يستوعب عقلك الكبير مدى البؤس الذي اجتاحهم من عقلاء حولهم، ولن تدرك الفوضى التي خلفها المجتمع في معاركه الحياتية المهندسة بدقة وبعقلانية.
فقط تأمل هذا السلام المبعثر في دواخلهم .. فقط تحسس الارواح التي تسمو بهم من شرك العقل .. فقط عانق الوجع المفضوح الذي يؤنسهم بعيدا عن حساباتك العقلية، ستجد أن كثير من الجنون رحمة للبشر
اخرج لدنياك ولعقلائك، لكن قبل أن تتخذ هذا القرار الخطير عليك بالتسلح، بالتحفز، بالقلق، بالخوف، بالتحصين، بالتجاهل، بالانصياع، بالحذر... والقائمة تطول، لأنه رغم حصن العقل المنيع إلا أنك مكشوف الظهر في معاركه الدائمة، واشتعاله المفاجئ، وهوجائه التي تكسر وتقلع وتذبح وتبني على انقاض الجثث أوهامها المزخرفة بالمصلحة الواعية.
ستجد هناك مختلف العروض البشرية المغرية والمتقدة بعقلانيتها تطل عليك في الحياة، كإجادتهم لعرض البضاعة الفاسدة والمزخرفة على أرفف المحال التجارية يسيل لها لعابك وتنفق عليها حتى تُفلس، كما هو حال روحك التي ستخلو على عروشها من كثرة الحيرة والضغط والتفكك وسلب العواطف والتجريح والاستخفاف والتضليل والظلم والتعنت.
لا أدري حينها هل سترحمك السماء وتتخلى عن عقلك وتكبه في الزبالة وتسلمهم ديباجتك الخاصة بالعقلاء وكل مستحقاتك الفكرية والواعية وتستسلم...؟
وتجاورنا اختياراً في البيت الكبير الذي يلقبونه (مستشفى المجانين).
علما بأن الجنون لا شفاء منه ٠٠ لأن كل من خاضه فضله على العقل دون تردد ودون النظر الى تاريخ بشاعة العقلاء
تعليقات